اللاجئون في خيام «الأمم»: أنقذونا

وحدهم اللاجئون الى الخيم لم يشعروا بانتهاء العاصفة. قلق الموت يقيم معهم كما الثلوج التي اجتاحتهم. قلق عارم تعبّر عنه نورا الهاربة من جحيم حلب لتحطّ في مخيم عشوائي في بر الياس. تحمل رضيعها بين يديها لتمنحه بعض الدفء، تقول: «منذ أربعة أشهر لم أحصل على مساعدات غذائية سوى مرتين (…) إذا لم يقتلنا البرد سيقتلنا الجوع». «الأمم»، كما يسمي اللاجئون مفوضية الامم المتحدة لشؤوناللاجئين، تتقاعس عن نجدة هؤلاء، فيما الدولة اللبنانية لا تتدخل إلا لمعاقبهم أو للنأي بنفسها عن مأساتهم.

p08_20150115_pic1

على ارتفاع 900 متر، في بر الياس، تتوزع مخيمات كثيرة للاجئين السوريين. قد تتعذّر رؤيتها بشكل واضح بسبب الأبيض الطاغي. 150 ألف لاجئ موجودون في بر الياس وحدها، وفق كلام عضو اتحاد الجمعيات الإغاثية والمسؤول عن أحد المخيمات محمد هبش. انتهت العاصفة منذ أيام، وانتهى قلق هبوط الخيم جراء تساقط الثلج، وخرج من صمد خلال العاصفة من خيمته. في المقابل، تضاعف قلق قديم: الصقيع. موجة الصقيع المسيطرة على البلاد، وبشكل خاص منطقة البقاع الأكثر تأثراً، تضع ما يقارب 409 آلاف لاجئ مسجّل أمام خطر جدي، يتوزع 144 ألفاً منهم على 852 مخيماً عشوائياً من أصل 1435 مخيماً على الأراضي اللبنانية. عند الساعة الواحدة ظهراً كانت درجة الحرارة 2. أما ليلاً، يستطرد أحد اللاجئين، «فتصل إلى ما دون سبع درجات». رقمٌ يقدّره خالد وفق قوة الصقيع الذي ينخر عظامه.

إحصائيات وزارة الصحة عن المتوفين بسبب العاصفة تتحدّث عن 11 شخصاً: 3 سوريين تجمّدوا في شبعا ودُفنوا هناك، 4 أشخاص من التابعية البنغلادشية قضوا في الضنية، فلسطينيٌ وُجد متجمّداً على الرصيف في راشيا نهار الجمعة الفائت، وثلاثة لبنانيين ماتوا جراء عوارض صحية لها علاقة مباشرة بالعاصفة. لم تصل هذه الإحصائيات إلى عرسال أو إلى مخيمات البقاع حيث بُلّغ عن وفاة رضيع وطفلة في اليوم الثاني للعاصفة، أما أول من أمس فماتت طفلتان أيضاً في مخيمات عرسال، الأولى عمرها شهران والثانية سنة ونصف. منذ بداية العاصفة حتى أمس مات 6 أطفالٍ في عرسال، ساهم البرد بشكل أساسي في موتهم. كذلك لم تذكر هذه الإحصاءات أم خالد البالغة من العمر 50 عاماً. توفيت أم خالد منذ 4 أيام في مخيم مجاور لـ»مجمع قرية البقاع» في بر الياس. توفيت من البرد، بحسب «الجيران» الذين شاهدوها تحتضر ليلاً حين كانت درجة الحرارة 6 دون الصفر. 18 شخصاً ماتوا خلال أسبوع، وهذا العدد يشمل فقط الحالات التي علمنا بها، وهو بالتأكيد أكبر. المنظمات الدولية رفضت خلال العاصفة الاعتراف بأي حالة وفاة ما عدا الثلاثة الذين قضوا في شبعا. يرى هؤلاء أن الموت من البرد يجب أن يكون عبارة عن مشهد مشابه لما حصل في شبعا: أن يُدفن الطفل والشابان تحت الثلوج حتى يتجمّدوا. أمّا الموت نتيجة التهاب حاد في الرئتين جراء البرد فهو ليس موتاً من الصقيع، والموت اختناقاً بسبب إحراق أكياس النايلون بحثاً عن دقيقة دفء ليس موتاً من البرد. وزير الصحة وائل أبو فاعور قالها بصراحة: «اختفت المنظمات الدولية مع قدوم العاصفة». اختفاءٌ يؤكده اللاجئون الذين لم يتلقّوا أي مساعدات من «الأمم» كما يُطلقون على المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. راكم اللاجئون في مخيمات بر الياس غضباً كبيراً على الجمعيات. يرددون دائماً أنهم «جميعهم يحضرون ليصوروا ومن ثم يرحلون، يختفون». على الرغم من ذلك، ليس لديهم من منقذ سوى الجمعيات، فيتوجهون نحو أي زائر غريب علّه يساعدهم في إعادة إدخال أسمائهم إلى لائحة «الأمم» التي شُطب منها عدد كبير منهم من دون معرفة الأسباب.

كشفت هذه العاصفة مشاكل كثيرة على صعيد الإغاثة، وأظهرت أن الاستعدادات لم تكن بالقدر المطلوب لمواجهة هذا الطقس، على الرغم من أن المشكلة نفسها تكررت العام الماضي مع «أليكسا». تؤكد ممثلة «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» في لبنان، نينت كيللي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المفوضية قامت بتحضيرات كبيرة لهذه العاصفة، والأضرار التي سُجّلت أتت أقل بكثير ممّا كان سيحدث لو لم نتحرك. بدأنا منذ شهر بتوزيع المساعدات الشتوية التي غطّت أكثر من 600 ألف لاجئ، وأنفقنا إلى اليوم 56 مليون دولار على المساعدات الشتوية فقط».

يريدون المازوت، هذا مطلبهم الوحيد اليوم. فاطمة التي هوت خيمتها بسبب تراكم الثلوج، انتقلت للعيش في خيمة جيرانها المجاورة حيث يشتعل النايلون في الصوبيا ليتحول إلى دفء قاتل. يعلمون جيداً المخاطر، لكنهم يقولون بابتسامة ساخرة «بين أمراض الرئة والاختناق أو الموت من البرد، نفضّل الاحتمال الأول». إذاً هو خيارٌ بين موتٍ وموت وُضع اللاجئون أمامه، لأن المجتمع الدولي لا يريد أن يساعد. يريد أن يكافح الإرهاب ويموّل الحروب ويقاتل «داعش» من دون مساعدة اللاجئين، عندها تنفد الأموال. خطر توقف المساعدات الغذائية فجأة لبرنامج الأغذية العالمي لا يزال قائماً ومطروحاً بقوة. تؤكد المتحدثة باسم البرنامج في لبنان ساندي مارون أنهم يحتاجون على الفور إلى ما مجموعه 212 مليون دولار لدعم العمليات في سوريا والدول المجاورة الخمس للأشهر الثلاثة الأولى من عام 2015. لبنان يحتاج الى 27 مليون دولار شهرياً لتغطية 900 ألف لاجئ هم الأكثر حاجة إلى المساعدة.

أحمد الخمشري، الآتي من معضمية الشام والقاطن في مخيم في بر الياس، يشكو من أن «الأمم» لم تُدخله ضمن لائحة مساعداتها على الرغم من التشوهات في يديه وقدميه نتيجة تعرّضه للكيماوي، حسبما يقول. أما خالد، ابن الـ17 عاماً، فقد وصلته رسالة منذ أشهر تقول: نعتذر عن عدم تقديم المساعدة. لم يكن الوضع مريحاً في المخيم، فالتوتر ظاهر على وجوه اللاجئين. منذ قليل حصل عراك بين امرأتين من أجل ثياب الأطفال. يعكس هذا العراك حجم الضغوط والتشنج المسيطر الذي يتحول الى عنف بدافع البقاء على الحياة. الإحصاءات تشير الى أن 86% من اللاجئين يقيمون في المناطق الأكثر تهميشاً، حيث يعيش 66% من اللبنانيين المهمشين. هؤلاء أيضاً يواجهون سنوياً ظروفاً مشابهة تدفع الى ازدياد التوترات: 61% من المجتمعات المضيفة أقرّت بحوادث عنف تجاه اللاجئين خلال الـ6 أشهر الأخيرة. تركّزت هذه الأحداث في المناطق الفقيرة، ما يذكّرنا بجغرافيا الحرمان: اللبنانيون والسوريون سواسية في الفقر، مجدداً.

أضف تعليق